المعلم والذوق
سعيد عبد الله بن حيدرة |
كنت أسمع خلال
زياراتنا للمدارس أن أكثر شكوى الإدارات المدرسية من معلمي القرآن والإسلامية ،
ولكني لم أحملها على محمل الجد ، وإنما اعتبرت ذلك من باب المبالغة ، أو ربما
أحياناً من تغلب الحزبية المقيتة التي أصبحت تتحكم في حياتنا ، وعلى أساسها يصنف
الناس كما قال الشاعر :
فعين الرضا عن كل
عيب كليلة ** ولكن عين السخط تبدئ لك المساويا
ولك أخي القارئ أن
تسأل : وما الذي حدث حتى صرت متأكداً أن شكاوي الإدارات المدرسية نابعة عن معاناة
؟ حتى أصبح بعض معلمي القرآن والإسلامية يضرب بهم المثل في التأخر ، والإهمال
والغياب ، وعدم تصحيح واجبات التلاميذ ، وسمي ما شئت من صفات الذم .
ولكني سأصدقك أخي
القارئ فخلال زيارتي لإحدى المدارس الثانوية ، وبينما كنت مع أحد أصدقائي من
المعلمين فاجأني أحد المعلمين بالتقدم نحوي ، وقال في فجاجة ، وقلة ذوق : ( كل يوم
نشوفك ) .
لم أستطع أن أخرج إلا
كلمة واحدة فقط ، فقلت ، وأنا في غير وعي : أنا لم أزر المدرسة منذ سنة ونصف ،
وحسبته سيعتذر عما بدر منه ، ولكنه كان صاحب وجه صفيق لم يخجل ، فأردف قائلاً :
يمكن اصحابك كل يوم نشوفهم .
سألت صاحبي ، وكان
إلى جانبي ، ماذا يدرس هذا ؟ فأجاب : تربية إسلامية ، ثم أخذ يعدد مساوئ لا حصر
لها ، وأولها : شفه أدى حصته ولم يصدق أن سمع دقات الجرس حتى يفر هارباً من
المدرسة . هكذا قال صديقي ، وهو يضغط على كلمة : ( عاده تربية إسلامية ) .
الأصل في المعلم أن
يكون صاحب أخلاق ، تسمو به أخلاقه ، ويثبت لنفسه قدم صدق بنصيب وافر من الذوق ، إذ
الذوق هو الأخلاق حين ترتدي أجمل ثيابها ، وهو حركة من لطائف الروح ، وصفاء القلب
؛ بل هو الإنسان في أبهى صورة ، وأرقى حضارة . ومعلم التربية الإسلامية يتعامل مع نصوص كلها ذوق ، ويكفي من ذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
أخي معلم القرآن
والإسلامية الناس ينظرون إليك من خلال مادتك ، ويعدونك قدوة في تطبيق ما تدرس ،
فأنت تدرس أشرف النصوص ، وتغرس أشرف القيم الإنسانية على الإطلاق ، ولنفسك عليك حق
فالتفت إليها ، وهذبها بما درست وتدرس حتى لا ينطبق عليك قول أبي الأسود الدؤلي
رحمه الله :
لا تنه عن خلق
وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم