الهند : بلد العقول الصقيلة
![]() |
حميد بن خيبش |
وحين يستعرض المرء حصيلة التحولات العميقة التي شهدتها الهند في الآونة الأخيرة , إن على مستوى البنى الاقتصادية و إدارة مشروعات الأعمال , أو من خلال التطور الملحوظ في مجالات العلوم و التكنولوجيا , يخلص حتما إلى أن الرهان على التعليم للفكاك من وطأة الانقسامات الاجتماعية والتباين اللغوي و الديني أمر ممكن .
لعل السمة البارزة للمجتمع الهندي هي التأرجح الدائم بين المتناقضات . فهو , بحسب نكتة هندية , أشبه بسكران عائد إلى البيت : يخطو خطوة إلى الأمام ثم خطوتين إلى الجانب , لكنه في النهاية يصل إلى البيت. و يُعزى الترنح الذي يطبع سير الإصلاحات في الهند إلى جملة من المعيقات المحلية أهمها :
ومع بداية الإصلاح الاقتصادي عام 1991 حرصت الهند على توسيع الاستفادة من التقنيات الحديثة للتخفيف من حدة الفوارق التعليمية داخل النسيج المجتمعي خصوصا في الأرياف . وبحلول سنة 2009 أقر البرلمان قانونا للتعليم الإلزامي تلتزم بموجبه المدارس الحكومية بتوفير تعليم مجاني , إضافة إلى تحمل المدارس الخاصة لمصاريف %25 من طلابها .
و لأجل تحسين رأس المال البشري و الرفع من درجة كفاءته في مجتمع يشهد تحولات متسارعة , عمدت الهند إلى وضع مخطط يهدف إلى إدراج مواد التعليم المهني في المرحلة الثانوية , وتوجيه الطلاب للإقبال على برامج للتدريب المهني تؤهلهم لولوج سوق الشغل , وتحقيق ما يُصطلح عليه ب “التلمذة الصناعية” . و أدى بروز الهند كرقم صعب في مجال تقنية المعلوميات إلى إشراك المجتمع المدني في تنفيذ دورات للتدريب المهني باعتماد الوسائط الحديثة .
أما بالنسبة للتعليم العالي فإن الهند تملك واحدا من أضخم النظم التعليمية .فمعاهدها و جامعاتها تستقطب كل سنة مئات الطلاب من شتى أنحاء العالم . ووفق أطلس أعدته جريدة لوموند الفرنسية , فإن العقول الصقيلة ستأتي مستقبلا من الشرق وتحديدا من الهند و الصين .وهو ما دفع خبراء التعليم العالي في أوربا و أمريكا إلى التحذير من اجتياح الموجة الآسيوية لمواقع الصدارة في مجال البحث العلمي .
يُعزى سر هذا التفوق في الهند إلى ما تتمتع به أغلب الجامعات و المعاهد من استقلال ذاتي في التدبير الإداري وتحديد معايير الالتحاق بالكليات وتنظيم الامتحانات.
ومكنت الشراكة مع المؤسسة الدولية للتنمية من تمويل مشروع طموح لإعادة تصميم الخطط التعليمية الحكومية , و تشجيع الاستقلالية الإدارية و الأكاديمية لتحسين جودة التعليم . وهو المشروع الذي حقق إضافات نوعية في مسار تطوير التعليم العالي حيث ارتفعت معدلات توظيف طلبة الدراسات العليا إلى %76 , وخضع أزيد من 13 ألف موظف و 30 ألف كلية لدورات في التدريب و التطوير المهني , كما حظي 220 ألف طالب من الفئات المحرومة بتعليم تكميلي أهله لولوج سوق الشغل .
إلا أن هذه الريادة في حقل التعليم العالي تعترضها اليوم تحديات مرتبطة أساسا بضعف التمويل و الافتقار الى مراكز ابتكار تدعم حضور الهند في المنتدى العالمي للتكنولوجيا المتطورة , كما تواجهها انتقادات حادة من الداخل تهم انحياز صانعي القرار للنخبة على حساب الأمة بدليل الاستثمار الثابت في التعليم العالي على حساب التعليم الأساسي و الثانوي (1)
(1) يُراجع كتاب : ” كيف سيكون القرن الواحد و العشرون هنديا بامتياز ” للدبلوماسي الهندي بافان كومار فرما .